روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | صداقة قلبين.. القلوب جنود تعارف وتآلف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > صداقة قلبين.. القلوب جنود تعارف وتآلف


  صداقة قلبين.. القلوب جنود تعارف وتآلف
     عدد مرات المشاهدة: 2735        عدد مرات الإرسال: 0

ها أنا أعود من جديد للحديث عن أحد أصحابي، وقد سبق لي الحديث عن عدد منهم في مقالات نشرت بعضها في الصحف الورقية، وبعضها الآخر في الصحف الالكترونية ـ والتي فاقتها بكل جدارة ـ، وسبب حديثي عن هؤلاء الأصحاب الأماجد أني أحرص على ألا أصحب إلا من هو خير مني، ولو في صفة من الصفات لعلي أكسبها منه بطول الصحبة، لذا أحب أن أبين ما تميزوا به لعل قارئ أن ينتفع بذلك.
 
فتعال أيها القارئ الكريم أحدثك عن بعض صفات هذا الأخ النبيل.
 
بدأ معرفتي به منذ خمس سنوات أو تَقِلُ قليلًا، زارني في منزلي فرأيت شابا لطيف المعشر؛ صاحب طرفة ومُلَحْ، فاستلطفته لذلك، وصار بعدها يدعوني لمنزله بين الفينة والأخرى، فزاد إعجابي به فهو يؤنسُ زائرهُ ويسعدُ ضيفهُ بكثرة محفوظاته الشعرية والأخبار التاريخية والمعاصرة مع موهبة فائقة في الوصف حتى أنني حضرت معه بعض المواقف فلما سمعتها منه شدني في حسن وصفه وجمال سبكه للحادثة!!.
 
ومع الوقت صرت آلفه، لكثرة ما زرته فهو كريم مضياف، بل إنه ابن الكرم فقد رضعه من أمه في الصغر وشب عليه عند أبيه في الكبر، فهو مولع بالكرم وصدق من قال: "كل كريم مولع بالمكارم" فالكرم له طبيعة وسجية ومركوب ومطية.
 
ولكن بقيت العلاقة لا تزيد على الألفة، حتى جاء اليوم الذي بلغني فيه أن له قصيدة منشدة وجهها لأخته فلما سمعت مقدمتها فوجئت به وهو يبكي في مقدمتها وهو يقول:
 
جتني رسالة من صدى خافق الروح * وقريتها بإحساس قلبـي وروحـي
قريتها وانهدّت قصور وصـروح*وأنا من أول عالياتـن صروحـي
وبدأت كلامته المتألمة الحزينة تلامس قلبي فسالت دموعي..
 
كلمات صادقة.. ومشاعر جياشة.. وأحاسيس مرهفة... كان صوته مختنقا.. زاد بكائي وأنا أسمع بقلبي.. كلاماته التي صالت وجالت في نواحي روحي.. وكأنه يخطها على أضلعي.. وينقشها على قلبي.. وكأني أنا الذي أخاطب بها شقيقتي الوحيدة..
 
تغيرت مشاعري نحوه فلم أكن أتوقع أنه يملك مثل تلك المشاعر الفياضة، فالبكاء من الرجال نقص ومعرة في بلادي فإن كانت من البدوي فهي أشد غرابة ونكارة لأنه ابن الصحراء!.
 
المهم زاد قربي منه، فقد ارتقي في قلبي كثيرا، فلا يبكي من الحزن إلا الإنسان، ولي مع الحزن صحبة حتى بت أشعر أنني أتلذذ بالحزن!!.. فدمعي غزير وبكائي كثير.
 
وفي أحد الأيام عرض علي السفر لأحد البلدان للسعي في حقن دم إنسان حكم عليه بالقتل قصاصا، فرافقته، حبا وكرامة، وهناك رأيته كيف يدير الحديث ويخطب الخطبة تلو الأخرى لإقناع أهل القتيل، وما حضر المجلس أحدٌ إلا سكت وقال:ليس لي بعده حديث، فما أبقى كلمة ولا فكرة إلا جاء بها على وجهها، فرّق الأب، ولانت الأم، وتتابع الإخوة على الرضى إلا شقي هدد بقتل القاتل إن عفى أبوه عنه بل هدد بقتل أبيه ـ عياذا بالله ـ، فما زال صاحبي يحثهم ويشجعهم ويرجوهم وهو السيد في قومه، وبالغ في الرجاء والاستجداء وأهان نفسه العزيزة حتى أشفقت عليه فما شعرت إلا وأنا أسح الدمع على ماء وجهه الذي أراقه.
 
وحتى تعرف ـ أيها القارئ الكريم ـ سبب شدة شفقتي عليه أخبرك بخبر ألا وهو:أن له على أب القتيل وإخوانه أيادي بيضاء كثيرة ومنن عديدة، فحق عليهم قبول شفاعته باتصال فكيف وقد شد لهم الرحال ونزل ضيفا عليهم، ولكن حرموا المروءة فلم يقبلوا شفاعة ولي نعمتهم.. وعدنا من سفرنا وقد رأيت فيه ما سرني من المكرمات.
 
وزارني يوم ما ومع شاب في مقتل العمر (في الثاني الثانوي) فما عرفته، ولا هو يشبهه فسألته عن خبره وقصته، فحدثني بما زاده رفعة في عيني فقد توفي والد هذا الشاب ووالدته الواحد تلو الآخر وبقي بلا عائل فعاله هو وليس له بالولد أي قرابة، ولكن حفظ لود أبيه الميت ورحمة بهذا الشاب الغريب.
 
فبقي سنة كاملة يشرف على دراسته ويتابع أصدقائه ويصحبه في حله وترحاله، حتى أشفقت عليه من شدة حرصه، فقلت له: بعض هذا الحرص يكفيه ويكفيك، فقال: إنه أمانة عندي، وقد تحملتها فلابد من الوفاء!!.
 
إن أحدنا بالكاد يتحمل ولده الذي من صلبه فكيف يتحمل الغريب عنه، ولكن الشيء من معدنه لا يستغرب.
 
هذه بعض المكارم وجملة من السجايا فإن مد الله بالعمر وأعان أذكر في مقال آخر جملة أخرى من سجايا صاحبي ومكارم أخلاقه.
 
الكاتب: عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
 
المصدر: موقع صيد الفوائد